هل افتعلت تركيا تفجير اسطنبول..؟

هل افتعلت تركيا تفجير اسطنبول..؟

هل افتعلت تركيا تفجير اسطنبول.؟


لوران ابراهيم

بتاريخ 13 نوفمبر 2022، وقع انفجار بعبوة ناسفة في شارع الاستقلال بمدينة اسطنبول. في الوقت الذي كان وزير الداخلية التركي يوزع مفاتيح البيوت الجديدة في محافظة إدلب التي يحكمها الفرع السوري لتنظيم القاعدة "جبهة النصرة". وبعد 24 ساعة، أعلنت السلطات التركية بأنها اعتقلت منفذة العملية التي زُعِمَ بأنها اعترفت بتلقيها تدريبات على يد حزب العمال الكردستاني. وقبل أن تبدأ التحقيقات، اتهمت تركيا مباشرة قوات سوريا الديموقراطية بهذا التفجير والذي راح ضحيته 6 مدنيين والعشرات من الجرحى.

على الفور، نفى كل من حزب العمال الكردستاني و قوات سوريا الديموقراطية علاقتهما بهذا الأمر. بل و طالب الجنرال مظلوم عبدي بفتح تحقيق حقيقي حول هذا التفجير. كما قدم البيانات المتعلقة بتلك السيدة، التي تنحدر من عائلة جهادية. وهو ما أكده صالح مسلم في لقاءه مع تلفزيون سكاي نيوز ( 28/11/2022) بأن هذه السيدة تنحدر من أصول فلسطينية تحمل وثائق سورية ربما مزورة، لكنها بالمطلق لا تنتمي باي شكل من الأشكال لقوات قسد.

راهنا، لا يمكن إجراء أي تحقيق مستقل في تركيا بعد المسرحية الهزلية لمحاولة الانقلاب الفاشلة 2016، و التي كان أردوغان أكبر المستفيدين منها. فقد منحته تلك العملية صلاحيات شبه مطلقة، قام على إثرها بتنظيف الجيش من القيادات العسكرية التي كانت تعارض توجهاته باحتلال سوريا. وكذلك عمد إلى عزل آلاف القضاة من المحاكم، وسجن الآلاف من الأساتذة الجامعيين، وكل من كانت تدور حوله شبهة المعارضة. إلى أن وصل إجمالي من اعتقلهم أردوغان أكثر من 160 ألف شخص. وبعد أشهر قليلة من تلك المسرحية، أجرى أردوغان في نيسان 2017 استفتاءا على الدستور للتحول إلى النظام الرئاسي والتفرد بأقصى الصلاحيات الممكنة.

بداية العام المقبل 2023، ستكون هناك انتخابات جديدة، رئاسية و برلمانية في تركيا. ووفقا لاستطلاعات الرأي التي أجراها معهد أبحاث الرأي التركي يونيليم Yöneylem، فإن نسبة 58 % من المشاركين قالوا بأنهم لن يصوتوا لصالح أردوغان وحزبه. لذلك، مع اقتراب أي حدث انتخابي، يلجأ أردوغان إلى الورقة الكردية، وملف اللاجئين السوريين، من أجل التلاعب بتوجهات الناخبين، بعد خسارة حزبه مرتين متتاليتين في انتخابات بلدية اسطنبول 2019. وكذلك من أجل صرف الأنظار عن الأزمة الاقتصادية التي تعانيها تركيا منذ سنوات (وفقا لمجموعة أبحاث التضخم المستقلة (ENAG) فقد تجاوز التضخم في تركيا حاجز الـ 185%). ولم تقوى الأموال القطرية على التخفيف من حدة التداعيات الاقتصادية، حيث تدفقت الأموال القطرية على شكل استثمارات في قناة اسطنبول الجديدة، أو كمنح مالية لبناء المستوطنات من قبل الشركات التركية في الأراضي السورية التي تحتلها تركيا لإجراء تغيير ديموغرافي على الشريط الحدودي بين سوريا و تركيا، حيث يقطن الشعب الكردي على طرفي الحدود.

من جهة أخرى، سيتوجب على أردوغان كعادته أن يُظهر نفسه كبطل قومي ـ بوسائل جبانة طبعاـ عبر استهداف القرى و البلدات الكردية في شمال وشرق سوريا، وقتل و تهجير المزيد من الكُرد من أراضيهم. كحال عفرين ورأس العين و تل أبيض. وذلك لاستمالة عاطفة جمهوره، وتوجيه الانتباه إلى الملف الأمني وللتغطية على أزمة العملة التركية بعد جائحة كورونا والحرب الأوكرانية، ليس هناك أفضل من التحكم بميول الناخب التركي، المعزز بثقافة كراهية متجذرة في التاريخ التركي ضد الآخر المختلف، وعنصرية متفشية في تركيا ضد السوريين بالمجمل. ولإحقاق ذلك، ليست هناك أسهل من حربٍ جبانة، يقودها أردوغان بالمسيرات طائرات الـ F16 وفصائل المرتزقة، لشن حرب همجية على تجربة الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا.

وهكذا، توقف التقصي عن حقيقة ما جرى، وتمّ قلب المعطيات إلى ذرائع ضعيفة لبدء عمليته العسكرية، مستغلة انشغال القوى الرئيسية ( روسيا وأمريكا) بالحرب الأوكرانية. وهي أيضا فرصة لأردوغان كي يمارس عادته في ابتزاز الدول الغربية، خصوصا في ملف انضمام السويد وفنلندا إلى الناتو. الأمر الذي عكسه تصريح وزير خارجيته جاويش أوغلو(30/11/2022) الذي كرر مطالبته لكل من السويد وفنلندا بالتخلي عن نظامهما السياسي، والتصرف كدولة دكتاتورية لا يقول فيها القضاء شيئا حيال طلب دول أجنبية بتسليم مواطنيها. وهو ما لن يحدث.

لدينا بعض المعطيات الأساسية لقراءة ما جرى. ربما أولها هو ما ظهر في الصحافة التركية باحتمالية قيام حزب العدالة والتنمية بافتعال هذا التفجير واستغلاله لأغراض انتخابية خلال الأشهر القليلة القادمة. مثلما حدث سنة 2016 والمهزلة الانقلابية التي جعلت حزب العدالة يتفرد بالسلطة. ثانيا، يرفض حزب العمال الكردستاني بالمطلق استهداف مناطق مدنية في تركيا، ولم تصدر عن قوات سوريا الديموقراطية أية طلقة باتجاه تركيا منذ تاريخ تأسيس هذه القوات. ثالثا، لفلفت تركيا التحقيق في الانفجار، ووضعته خلفها. بالرغم من أن مديرية أمن اسطنبول قالت أنها تشتبه فقط بالمتهمة الرئيسية ولم تحسم ذلك. كما لم يصدر عن محكمة مختصة، وعبر تحقيق مستقل، أي بيان يؤكد رواية السلطة التركية.

خلاصة القول، يخدم هذا الانفجار المصالح التركية ويندرج ضمن آليات حزب العدالة و التنمية للتحضير للعملية الانتخابية المقبلة. فأردوغان كأي دكتاتور آخر، لا يشكل موت الناس بالنسبة له سوى إجراء روتيني لتمرير مصالح الخاصة. بما فيه قتل شعبه. وهو ذاته الذي كان يخاطب بشار الأسد بصفة القاتل، لكنه اليوم ينوي العودة إلى مصافحته ومخاطبته مجددا بالعبارة التي استخدمها في حفل افتتاح ملعب حلب الدولي 2007، حينما خاطبه بأخي وصديقي. ولحسن الحظ، ثمة تناقضات معقدة في سوريا، لن تمنح أردوغان ما يبحث عنه. لكن سيكون لبقاءه في السلطة كلفة كبيرة في الأرواح.